برج النار: رمز عظمة الدولة السعدية
اتسمت حقبة حكم الدولة السعدية ببناء عدد من الأبراج التي لازالت شامخة إلى يومنا هذا تحرس مدينة فاس. وكان لهذه الأبراج دور عسكري وأمني مهم جدا، فهي صروح معمارية دفاعية وحصون لا غنى عنها لمراقبة كل صغيرة وكبيرة في تخوم مدينة الإثني عشر قرنا. من بين الأبراج المشيدة بمدينة فاس نذكر البرج الشمالي، الذي يطل على مدينة فاس من فوق تلة مرتفعة، مانحا لزواره منظرا بانوراميا رائعا.
شيد هذا الصرح عام 1582 م، بأمر من السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي من أجل تأمين مدينة فاس من الغارات الخارجية، واستخدمته القوات الاستعمارية الفرنسية كثكنات عسكرية ثم كسجن في عهد الحماية، وحُوِّل بعد الاستقلال إلى متحف للأسلحة التقليدية في عام 1963، وصار يستقطب الزوار من كل حدب وصوب، وكان بذلك أول متحف متخصص في تاريخ الأسلحة في المغرب.
أما عن سبب كثرة تسمياته، فإنه كان يسمى "البستيون" وهي كلمة لاتينية تعني الزاوية المحصنة. أما تسمية "برج النور" فهي بدون شك آتية من الكلمة الفرنسية "Nord" أي الشمال، دلالة على موقعه في الجهة الشمالية لفاس. وأخيرا تسمية "برج النار" فهي ترمز لطبيعته العسكرية وللقذائف النارية التي تطلق منه، وهذه التسمية كانت شائعة في النصوص اليهودية المغربية. وبعد أن صار متحفا بات يسمى متحف الأسلحة، ولكن التسميات الشائعة في الأوساط الفاسية هي "دار السلاح" و"البرج الشمالي".
من بين أهم الأغراض التي شيد من أجلها هذا البرج ذو الأسوار شاهقة العلو والمتينة، حماية مدينة فاس من التهديدات الأجنبية، خاصة منها العثمانية. وقد ساهم في تشييده أسرى برتغاليون، وشيد تصميم وهندسة أوروبية. صمم البرج الذي تبلغ مساحته 2250 مترا مربعا ليصمد أمام طلقات المدفعية، وكان يأوي تشكيلة من الأسلحة الثقيلة، واستعمل كذلك لإطلاق طلقات المدفعية إعلانا لمواعيد الإفطار والصوم في شهر رمضان منذ فترة الدولة السعدية.
تُعرض بالبرج الشمالي مجموعة متنوعة من الأسلحة، يقارب عددها الـ 5000 قطعة، منها 775 معروضة بشكل دائم، و2479 قطعة في الاحتياطيات و 128 قطعة مستعارة للمتاحف المغربية الأخرى. تتضمن المجموعة أيضًا مئات القطع تحت الترميم في ورشة المتحف.
تتنوع القطع المعروضة بين دروع حديدية وكاملة، ورماح وسيوف وبنادق ومسدسات، وأسلحة حجرية ومدافع تقليدية صغيرة وكبيرة. ومن بين أهم معروضات المتحف نجد درع «الدراكة»، وهو درع جلدي سميك به رسومات بسيطة وملونة، يعود تاريخ أول استعمال له إلى العصر البرونزي قبل 5000 سنة، وكان هذا الدرع أهم سلاح دفاعي للمغاربة طيلة قرون. كما يعرض بالمتحف مدفع مغربي من طراز «الميمونة» الذي استعمل في معركة وادي المخازن عام 1578، من صناعة "الحاج أحمد الغمق" كما تقول الكتابة المنقوشة على المدفع بخط نسخي مغربي، ويبلغ طول المدفع 4.50 متر، ووزنه يناهز 12 طنا.
للمتحف قيمة تاريخية وتراثية بالغة الأهمية، فهو يحافظ على مئات التحف التي كانت عرضة للضياع، ويساهم في إحياء حرف وصناعات عسكرية يدوية. كما يسمح لزواره بالاستمتاع بفن العمارة العسكري الذي ميز الفترة السعدية، من أسوار هائلة وجدران متينة وحجر وسراديب. وإضافة إلى المعرض الدائم، يضم المتحف مساحة عرض مؤقت، وقاعة توثيق وإسقاط سمعي بصري، وورشة للترميم، وجزء قابل للزيارة يضم احتياطيات المتحف، وكذا خزان موجود في الطابق السفلي. كما تمنح شرفته إطلالة رائعة على مدينة فاس وأبرز معالمها التاريخية، والتضاريس الطبيعية المحيطة بالمدينة من كل جانب.
جُلبت معظم التحف المعروضة في المتحف من مصنع السلاح الذي يعرف باسم «الماكينة»، وبعض التحف أهديت للمتحف من طرف الملك الحسن الثاني متمثلة في أسلحة قديمة للحرس الملكي. فضلا عن مجموعة من الهبات التي قدمت للمتحف من بعثات أجنبية قدرت بما يقارب 10 تحف، من بينها هبة أهداها أحد حاكمي جاكرتا، وهي عبارة عن سيف يسمى «كريس»، بينما تكفلت إدارة المتحف بشراء بعض التحف الثمينة من أسلحة وسيوف وغيرها من مالكين استغنوا عنها. وبالإضافة إلى المغرب، تمثل معروضات المتحف 35 دولة أجنبية من أفريقيا، وأوروبا، وآسيا وأمريكا الشمالية.
الباحث: الطيب عيساوي
المصادر:
http://islamicart.museumwnf.org/database_item.php?id=monument;ISL;ma;Mon01;12;ar
https://www.qantara-med.org/public/show_document.php?do_id=783&lang=ar
https://archive.aawsat.com/details.asp?section=54&issueno=11744&article=605094#.XrK_0mgzbIV
http://www.rehabimed.net/wp-content/uploads/2011/02/268_MAR_Hafid%20Mokadem.pdf