القبيلتان الأمازيغيتان اللتان باعتا أرض فاس للإمام إدريس
لطالما عرفت مدينة فاس بكونها مدينة ضمت ضمن ساكنتها العرب والأمازيغ والأندلسيين واليهود وغيرهم، وهم السكان الذين وفدوا عليها من الشرق والغرب وكذا من الشمال والجنوب، نظرا لكونها واحدة من أهم حواضر المغرب قديما. لكن قلما تحدثت الكتب والمقالات التي اهتمت بفاس للقبائل الأمازيغية التي كانت تستقر بالمنطقة قبل تأسيس المدينة، وباعت الأرض التي بنيت عليها فاس للإمام إدريس بن إدريس.
قبل تأسيس مدينة فاس، كانت تستقر بالمنطقة التي بنيت عليها المدينة قبيلتان معروفتان، هما بنو يازغة وبنو الخير (زواغة)، ولازالت أحد أحياء مدينة فاس تحتفظ باسم القبيلة الثانية (زواغة) إلى اليوم. واشترى الإمام إدريس بن إدريس أرض مدينة فاس من القبيلتين على مرحلتين.
ذكر ابن أبي زرع الفاسي أن بني يازغة كانوا سباقين لبيع عدوتهم الشرقية إلى الإمام إدريس بن إدريس، مقابل 2500 درهم، وأنه أشهد عليهم بيعه بعقد تولى ضبطه كاتبه أبو الحسين عبد الله بن مالك الأنصاري الخزرجي، وذلك في الأشهر الأخيرة من سنة 191هـ/ 807م. ونزل بهذه العدوة بالموضع المعروف إلى اليوم باسم "جرواوة"، وشرع في البناء يوم الخميس غرة ربيع الأول سنة 192هـ/ 4 يناير 808.
رجع الإمام إدريس بعد ذلك إلى مدينة وليلي لتصفية حساباته مع إسحاق بن عبد الحميد الأوربي الموالي لبني الأغلب، وأفشل خططه وقتله، ثم قصد العدوة الشرقية لفاس لتفقد أشغال البناء والتشييد. وأثناء مقامه هناك، أرسل إليه بنو الخير الزواغيون، جيرانه في العدوة الغربية فلبى دعوتهم وزارهم، وتكللت هذه الزيارة بأن ابتاع منهم بقعتهم بـ 3500 درهم، فترك فاس وانتقل إلى العيش بها وهناك صار يقطن في داره المعروفة بدار القيطون بهذه العدوة التي سميت "العالية" التي قيل إنها سميت كذلك نسبة لعلوها عن العدوة الشرقية أو نسبة لعلي بن أبي طالب جد الأدارسة أو صفة لقيمة حضرتها التي شملت دار الإمام ومقامه.
كان سكان هاتين القبيلتين يدينون بعدة ديانات، كالإسلام، والنصرانية، واليهودية، والمجوسية. وكان بنو يازغة يسكنون بإحدى ضفاف وادي فاس التي سميت فيما بعد بعدوة الأندلس، بينما يسكن ينو يازغة بالضفة المقابلة وهي التي سميت لاحقا عدوة القرويين. وذكر بن أبي زرع الفاسي أن القبيلتين كانتا في قتال دائم حتى أتى الإمام إدريس فأصلح بينهما.
المصادر:
علي بن أبي زرع الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1972، ص 31-32.
مجموعة من الكتاب، تاريخ مدينة فاس من التأسيس إلى أواخر القرن العشرين (الثوابت والمتغيرات)، ص 25.