المنارة: الماء والخضرة والوجه الحسن
هي معلمة أثرية ومنتزه طبيعي يقصده الزوار من كل حدب وصوب، للهروب من حرارة مراكش المرتفعة، والاستمتاع بجماليتها، والتأمل في هندستها وتصميمها اللذان جعلاها تتبوأ المراكز الأولى كأكثر المعالم السياحية زيارة في مدينة النخيل. إنها حدائق المنارة، ذات الصهريج المائي الكبير، والجناح الملكي المبني على الطراز المغربي الأصيل، بين أشجار الزيتون والنخيل، وخلفها جبال الأطلس التي عادة ما تكسوها الثلوج لتمنح الزائر أجمل إطلالة وتستميله نحوها دون شعور.
شيدت حدائق المنارة في القرن 12 (1157م) على يد السلطان الموحدي "عبد المومن بن علي الكومي" غرب مدينة مراكش، على بعد حوالي 4 كيلومترات من مسجد الكتبية الشهير، وصممها الحاج يعيش المالقي. تحتوي المنارة على حوض مائي (صهريج) وحدائق شاسعة مزروعة بأشجار الزيتون والنخيل وأشجار أخرى مثمرة وغير مثمرة، إضافة إلى الجناح الملكي أو القبة التي تشتهر بها المنارة. أما تسميتها "المنارة" فالمرجح أنها قد تكون لها صلة بمسجد الكتبية، المعلمة الرئيسية في المدينة. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المؤرخ "خالد الناصري" قد أطلق في كتاب الاستقصا على منارة الكتبية اسم "صومعة المنار". بيد أنه لم تتم الإشارة صراحة إلى بركة المياه باسم المنارة، إلا خلال عهد المرينيين (القرن 7- 9 الهجري / القرن 13 – 15 الميلادي).
أصلح السعديون المنارة سنة 1579م وأعادوا استغلالها لأغراض ترفيهية، كما أضافوا لها الجناح الملكي. ولم تتخذ المنارة شكلها الحالي إلا في عهد العلويين، وتحديدا اثنين منهم وهما، مولاي عبد الرحمان (1822-1859) وابنه محمد الرابع (1859-1873)، الذين يعود لهم الفضل في ترميم وإعادة زراعة كل من حدائق المنارة وأكدال، وترميم نظام إمداد المدينة بالمياه. كما قام السلطان محمد أيضًا ببناء الجناح الحالي على أنقاض جناح السعديين القديم، وذلك عام 1870م. فرمَّمَ الجدار الضخم المكون للسياج الذي يحمي 96 هكتاراً من البساتين (طوله 1200 م وعرضه 800 م)، وحَسَّن من تموينه المائي، وأحدث مكانا مخصصا للخيول على أطراف صهريج المياه، الذي يبلغ طوله 200 متر وعرضه 150 متر.
نظام الري في حدائق المنارة يعتمد على شبكة من الخطارات التي يتم جلب الماء بواسطتها إلى حدائق المدينة، وهي طريقة قديمة من إبداع المرابطين، وتعتمد على حفر القنوات الجوفية لتخزين المياه الصالحة وتوجيهها لري البساتين والحقول، وتستخدم هذه التقنية عادة في المناطق الجافة وشبه الجافة.
أكثر ما يشد الانتباه في حدائق المنارة هي تلك البناية العريقة التي تطل على الصهريج الكبير، وخلفها جبال الأطلس التي تكتسي البياض، ونتحدث هنا عن الجناح الملكي الذي يعود بناؤه إلى القرن 19 كما سبق وأشرنا. هو جناح مكون من طابقين ومبني من الحجر، وله سقف هرمي الشكل يكسوه القرميد الأخضر الذي يميز البنايات المغربية. يحتضن طابقه السفلي المخصص للحريم والخدم يحتضن غرفة كبيرة تحدها أربعة أعمدة، ورواق خارجي يطل على الصهريج، بينما يوجد باب المبنى في الجزء الجنوبي منه. أما الطابق العلوي (المنزه) فيُصعد له عبر درج مستقيم حاد، يؤدي إلى غرفة كبيرة مربعة ذات باب منخفض يؤدي إلى شرفة مستطيلة، وفي الأعلى هناك سطح به شرفة صغيرة مطلة على الحدائق باتجاه جبال الأطلس.
اعتمدت في الجناح الملكي المحاط بسور من التراب المدكوك زخرفة بسيطة، حيث تعلوا أقواسه زخارف ونقوش عربية، بما في ذلك نقيشة بها كتابة في مدح الرسول محمد ﷺ وتاريخ البناء 1286هـ أي ما يوافق 1869-1870م، إضافة إلى الجبس المنحوت حول النوافذ والأبواب، وأسقف خشبية مطلية.
الباحث الطيب عيساوي
المراجع:
https://www.qantara-med.org/public/show_document.php?do_id=1021&lang=ar
http://islamicart.museumwnf.org/database_item.php?id=monument;ISL;ma;Mon01;23;ar
- أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج 7.
- كاتب مجهول، الاستبصار في عجائب الأمصار.