لمحة عن طرز فاس: طرز الغرزة وطرز العلج

لمحة عن طرز فاس: طرز الغرزة وطرز العلج

الطرز، أو فن التزيين بالإبرة والخيط، لوحات تفننت النساء في صناعتها منذ فجر التاريخ. هذا الفن اشتهر ببابل وأبدعت بتنميقه الإغريقيات والرومانيات مدة طويلة من الزمن. اتخذتها بعض النساء مهنة لهن، بينما اكتفت أخريات بجعلها تسلية، في حين دفنت بعضهن أحزانها في الثوب والإبرة. هي وسيلة لتجميل الثوب وإبراز حس الإبداع لدى المرأة، لذلك فهذا الفن وجد أنامل مستعدة لخدمته وعقولا متقدة لفهمه مع خيال خصب لتطويره، ولم تكن نساء المغرب بالاستثناء للقاعدة.                                                                                         ما من باحث في تاريخ المغرب ينكر أن فن التطريز عرف انتشارا كبيرا بربوع المملكة، خاصة بالمدن وبالأخص الحضارية منها، وعند ذكر المدن الحضارية، تطالعنا فاس مدينة الفنون العتيقة. إلى اليوم، مازال الطرز الفاسي كما يعرف بربوع المملكة من أجمل وأعقد أنواع التطريز. تقسيماته، ودقته، وجماليته، كلها أسباب تجعل المغربيات يوثرن هذا التزيين ذي التقاسيم الهندسية المميزة والألوان الموحدة الصارمة.         

لم تكن نساء الحواضر المغربية، ونساء فاس ضمنهن، يرين في الأثاث المطرز مجرد ديكور يصلح للتزيين فقط، بل على العكس، كن ينفخن الحياة في الثوب لغرض معين. والتطريز هو أداة مساعدة لإعطاء الحياة للثوب، وجعله صالحا أن يشكل قطعة من الأثاث المنزلي، وإن كانت اليوم أعمال التطريز قليلة الاستعمال وتقتصر على المناسبات أو للتهادي. فبالماضي شكل الأثاث المطرز جزءً من حياة المرأة الفاسية التي تفننت في تطريز أثاثها كالستائر والأزر والوسائد (المسند، والخدية، وحزام الخدية..) مع ''الجلسة'' (وهي منديل معروف عند الفاسيات)، المحرمة والمناديل كذلك، كما أبدعت في الاشتغال على ملابسها وزينت ''التكة'' (حزام خاص بالسروال) و''المرابط'' (كانوا يقومون مقام الجوارب الطويلة حاليا) .                                                      

باختصار، كان التطريز حاضرا بقوة، لذلك فأغلب الفتيات بالحريم الفاسي كان يتم توجيههن لدار المعلمة ليتعلمن أشغال التطريز ويؤثثن منازلهن ويشتغلن في ''شوارهن''. كان يتم تلقين الفتيات الفاسيات نوعان من التطريز:                                                                                            - الأول هو المشهور لحد الساعة بالطرز الفاسي، والمعروف داخل أسوار المدينة بطرز الغرزة                                                                    - الثاني هو نوع من التطريز المنقرض منذ بداية القرن التاسع عشر، ومعروف بطرز لعلج.

التقاسيم الهندسية الحمراء، والخضراء أو الزرقاء بقبابها المرتفعة والمعينات المتداخلة التي تتطابق رسومها على وجهي الثوب هي أشهر الرسوم المعروفة لطرز الغرزة. إلا أن هناك العديد من الرسوم لهذا النوع المشتغل عليه في جميع أنواع المرمة، لكنه يتطلب حريرا خاصا وثوبا نسيجه واضح، لأن طرز الغرزة يقوم على مبدأ الاشتغال بغرز الثوب، ويعتمد طريقة معقدة لحساب المسافة بين غرزة وأخرى.          رسوم هذا النوع من التطريز تجد أصولها في أشكال هندسية عتيقة ببلدان مختلفة. من الباحثين من وجد أوجه شبه بين النجم المثمن وزهرة الزنبق الحاضرين بالحضارتين المصرية و السورية القديمة، كما أن هناك من ربطه ببعض أعمال نساء الأرستقراطية بأوروبا خلال العصر الوسيط، ورأى بعضهم أن هذا التطريز ما هو إلا بذور أندلسية أزهرت بين أنامل الفاسيات.                                                              على عكس طرز الغرزة، فطرز لعلج يزين وجها واحد للثوب فقط. وإن كان طرز الغرزة يقوم على تقنية الحساب، فالنوع المنقرض يقوم على رسوم مدمجة وأكثر تعقيدا تعتمد على نمط تطريز يُرسم على الثوب مسبقا، وهذه التطريزات هي الأخرى أحادية اللون. كما أسلفنا، هذا النوع منقرض منذ بداية القرن التاسع عشر، لذلك فمن الصعب تتبع أصوله، إلا أن البعض يربط اسم لعلج الذي كان لقب كل من أسم حديثا بالشركسيات اللواتي كن حريم بعض أغنياء فاس، ويؤيدون نظريتهم بوجود تشابه بين هذا النوع و تطريز آخر موجود بالبلقان.

رغم انقراض نوع وانخفاض درجة الإقبال على النوع الثاني، وتعويضه بطرز الآلات، إلا أن جمالية التطريز اليدوي لا يُعلى عليها وتبقى دوما محط إعجاب الجميع، خاصة إن كانت المعلمة مبدعة في صنعتها.

الباحث: إلياس أقراب

المصادر:

JOUIN, Jeanne - Les thèmes décoratifs des broderies marocaines. Leur caractère et leurs origines -, H, 1932, T. XV, fascicule 1, pp. 11-52..

JOUIN, Jeanne - Les thèmes décoratifs des broderies marocaines. Leur caractère et leurs origines (suite et fin) -, H, 1935, T. XXI. fascicule I-II,pp 149-166