لبسة الجوهر أو اللبسة الفاسية: زي تقليدي لا يغيب عن الأعراس الفاسية
انتشرت مقولة شعبية خلال العهد السعدي تقول: "إن المسيحيين ينفقون أموالهم في الخصام، واليهود ينفقونها في العيد، أما المسلمون فينفقون أموالهم في الأعراس".
انتهي حكم السعديين منذ ثلاثة قرون ونصف، لكن هاته المقولة مازالت قائمة، أو بالأحرى بقيت قائمة إلى عهد قريب. فمظاهر الاحتفال البهيجة والباذخة كانت مادة دسمة للمستشرقين بالقرن التاسع عشر، وللمستعمرين خلال القرن الماضي.
عند الكلام عن العرس المغربي فأنت تتحدث عن حضارة كاملة تراكمت، وعن عادات وتقاليد تتكامل في ما بينها، لذلك فالصفحات تضيق والأقلام لا تكفي عند الحديث عن حدث كهذا. فالعرس الفاسي لوحده كتب فيه الباحثون كتبا كثيرة، فما بالك بالتطاوني، الوجدي، والصويري والصحراوي.
إن الغرض من هذا المقال ليس الحديث عن العرس الفاسي، بل عن شيء مهم وسط هذا الاحتفال البهيج، خاصة عن جزء منه يسمى "الدورة د الميدة". إنها "الكسوة د الجوهر" المعروفة خارج أسوار المدينة "باللبسة الفاسية" التي تصر معظم عرائس المغرب الأقصى على أن تبرزن بها رغم ثقلها.
الكسوة د الجوهر لباس متميز شبهه "لوتورنو" بتمثال العذراء الذي يطاف به في الاحتفالات الخاصة بها بالدول المسيحية، وهذا اللباس الخاص يرافق العرائس الفاسيات في الدورة على الميدة وأثناء طقس الرهينة والتعشاق. ومن وصايا النكافات الفاسيات أن التبسم أو الضحك ممنوع أثناء هاته الطقوس حتى لا تراها عائلة الزوج "خفيفة" وهي في اللباس "الثقيل".
تتكون "الكسوة د الجوهر" من "قفطان ضو الصباح" يشد على خصره حزام فاسي، يشبه حزام صاحبات الحضرة الشفشاونية، وذلك حتى لا يتأثر ظهر العروس من كل الثقل القادم، فوقه القفطان الفاسي المشهور "الخريب" الذي كان من اختصاص مصانع بن شريف. وهذا القفطان يتميز بألوانه وأشكاله، كما يعرف بجودة ثوبه الذي يبقى بجودة عالية لقرون عديدة. وما قفاطين الخريب بالمتاحف إلا خير دليل على ذلك.
بعد أن لبست العروس قفطان الخريب الثقيل، يسدل عليها من رأسها وشاح أثقل منه يسمى "قصبة بركاتو" و هو "بروكار" مطرز بالصقلي الفاسي، يسدل على جانبي العروس مع "المسيلكة" التي عن طريقها تستطيع النكافة إظهار مدى إتقانها "للكسوة د الجوهر". فهاته المسيلكة عبارة عن ثوب أبيض مطرز من الجوانب، مرفق بأخر أحمر يجب أن تأتي بشكل متواز مع قصبة بركاتو، بحيث يمكن الرؤية تحت كل هذا قفطان الخريب بتزييناته.
بعد كل هذا تلبس الأكمام المسماة "كمام المانوص" وتثبت جيدا قبل أن تعود النكافة إلى الرأس من جديد، هذه المرة لتبدأ بتركيب التاج و تثبيته مع باقي القطع، قبل أن تسدل "ازراير الجوهر" مع "النواسي المشبك" الذي يكون قرب التاج و ينسدل إلى جبين العروس.
القلادات لا توضع على العنق مباشرة بل توضع على الصدرية المسماة "بسيطة"، وهي مزينة بالذهب أيضا ولا يبقى بجيد العروسة سوى اللبة القلادة الجميلة المرصعة بالحجر الكريم اليشب أو مدجات د الجوهر. أحيانا توضع اللبة مكان خيط الروح، أو يزين الجبين بالطابع الفاسي، كما نشير أنه سابقا كانت العادة أن يسدل خمار شفاف على وجه العروس.
يتطلب إعداد كسوة الجوهر وقتا طويلا من طرف النكافة، كما أنه يتطلب جهدا جهيدا من طرف العروسة التي تتحمل ثقل كل هاته الملابس، وقبل هؤلاء كيف لنا أن ننسى جهد "الدراز" الذي يتطلب منه إعداد متر من الخريب يوما كاملا، فما بالك بتفصيلة كاملة. كما يبرز دور الصائغين جليا خلال رحلة إعداد الكسوة، وهم صانعو المجوهرات والحلي الثمينة التي تشكل جزءً لا يتجزأ من التراث الفاسي، كما سيرد في ما بعد من المقالات.
المصدر:
Costumes du Maroc: Jean Besancenot page 36
بقلم: إلياس أقراب