قصر المنبهي: أول مسكن للجنرال ليوطي في المغرب
لابد لزائر المدينة العتيقة لفاس وهو يتجول بين أزقتها ودروبها، أن تأسره العديد من المعالم والمآثر التايخية المترامية على طول الطريق، أما المار بممر الطالعة الصغيرة فلابد أن يقع نظره على قصر المنبهي الجميل، حيث يكفي أن تسترق النظر خلف بابه كي تقع في حب كل تفاصيله.
ما يجعل من هذا القصر قصرا مميزا هو تحدث العديد من المصادر عن احتضانه لمراسيم توقيع معاهدة فاس في 30 مارس 1912، وهي معاهدة الحماية التي تنازل بموجبها السلطان "مولاي عبد الحفيظ" عن سيادة المغرب على أراضيه، وقبلت بموجبها الإيالة الشريفة بدخول المستعمر الفرنسي. كما كان القصر أول مقر إقامة للمقيم العام ليوطي في عام 1912، وبه أعطيت أول دروس في اللغة الفرنسية بمدينة فاس قبل أن تتحول لثانوية مولاي دريس.
شيد القصر من طرف المهدي المنبهي، وزير دفاع السلطان العلوي مولاي عبد العزيز أو العلاف الكبير كما كان يسمى هذا المنصب آنذاك (1894-1908)، وامتدت مرحلة بنائه من نهاية القرن 19 إلى بداية القرن العشرين، وتم ذلك بمنتهى العناية والمهارة.
تفصل البوابات الحديدية المثينة القصر عن الشارع المليء بالحياة، وتسبق الأبواب النحاسية الثقيلة. بعد ثلاث خطوات من صعود الدرج الرخامي الأبيض، تجد نفسك أمام فناء كبير ومضيء، حيث تم تزيين الجدران والأعمدة بالفسيفساء. تطالعك سقاية بديعة على الجدار، تتدفق منها المياه من خلال تسعة صنابير نحاسية، وقبالتها هناك حوض رخامي أبيض يقع في وسط الفناء تحت سماء فاس. على يمين الفناء، زينت غرفة بسقف منحوت غني من قبل حرفيين من فاس، كما زينت الغرفة المقابلة على قدم المساواة من قبل حرفيين من مكناس. تم تزيين الغرف بأناقة، ولم يترك الحرفيون الذين سهروا على إعدادهما وتزيينهما فراغا إلا وقد ملأوه بقطع من الفسيفساء أو الجبس، يعلوها الخشب المنحوت على السقف الشاهق وعلى النوافذ والأبواب العالية. لقد تطلب أمر بناء القصر تدخل مختلف المهن الحرفية لإنشاء منزل غني بهذه الروعة.
لهذا القصر توأم آخر يحمل نفس الاسم بمدينة مراكش، بناه مهدي المنبهي في قلب المدينة القديمة، بالقرب من مدرسة بن يوسف، وهو الآن يحمل اسم "متحف مراكش". أما توأمه الذي بفاس فقد تحول لمطعم مغربي فاخر، تمكنك شرفته من الاستمتاع بالمناظر الحضرية التاريخية لمدينة فاس، كما يستضيف بهوه الاجتماعات والندوات والمؤتمرات.
المصادر: