عناق الطبيعة والتاريخ: استكشاف الحديقة السرية بمراكش
إن الحديقة السرية تمثل جزءً لا يتجزأ من تراث مراكش الغني، وتعكس روح المدينة وعبق تاريخها العريق. إذا كنت تزور مراكش، فإن الحديقة السرية هي واحدة من المعالم التي يجب عليك زيارتها للاستمتاع بجمالها التاريخي والطبيعي الفريد.
سر الجمال النابض بقلب مراكش يتجسد في الحديقة السرية التي تستقبل آلاف الزوار كل عام. فعندما تخطو أقدامك خلف أبوابها، ستجد نفسك في عالم ساحر يحاكي أروقة الخيال وأحاسيس الإثارة.
أسرار تاريخية تشد انتباه العالم
تعود الأصول التاريخية للحديقة السرية بمراكش إلى العهد السعدي، حيث كانت تعد من أحد أسرار المدينة المغربية الساحرة. يمتد تاريخها العريق لقرون عديدة، وتعكس تطوراً ثقافياً وفنياً فريداً يشد انتباه الزوار من جميع أنحاء العالم.
تم بناء الحديقة السرية قبل نحو خمسة قرون من الآن. كانت تعتبر مكاناً محصناً ومختلفاً عن الحياة العامة في المدينة، حيث كانت تستخدم كملاذ للسلاطين ومكاناً للاستجمام والاسترخاء.
تعود أصول الحديقة السرية إلى النصف الثاني من القرن السادس عشر، عندما بدأ السلطان السعدي مولاي عبد الله بالتوسع الحضري لما يعرف الآن بمنطقة المواسين. ومع ذلك، على غرار العديد من المباني الهامة في مراكش، تم تدمير القصر، الذي كان قائمًا على أراضي الحديقة في نهاية القرن السابع عشر، بعد انهيار سلالة السعديين. في منتصف القرن التاسع عشر، استحوذ قائد الحاج عبد الله أوبيهي على الأرض التي تم بناء قصر جديد عليها، مع الاحترام الكامل لتخطيط مجمع العصر السعدي.
بعد فترة وجيزة، قُتل القائد أوبيهي، الذي نظر إليه السلطان محمد الرابع بشكل مريب بتسميم شايه. انتقلت ملكية القصر بعد ذلك إلى القاضي مولاي مصطفى، وهو قاض عظيم كان يتمتع بعلاقات وثيقة مع الأسرة الحاكمة. في عام 1912، استبدل القصر بقصر فاس للحاج محمد الوكريسي. وكان الأخير، الرئيس السابق لنقابة صانعي الساعات في مراكش، قد انتُخب عام 1908 أمينًا لحجرة السلطان مولاي عبد الحفيظ. عندما نُفي السلطان عام 1912، انتقل الحاج محمد الوكريسي إلى هذا القصر حيث عاش حتى عام 1934، عام وفاته. ثم توقفت صيانة الممتلكات بشكل صحيح، وسرعان ما ساء حالها. ترسخت فكرة ترميم مجمع المبنى عام 2008، قام توم ستيوارت سميث سنة 2014 بتحويل الحديقة السرية في مراكش إلى حديقتين هادئتين مميزتين، لتظهر إلى حيز الوجود بتصميم رائع ومميز، وتفتتح أبوابها رسميا أمام الزوار لأول مرة في سنة 2016.
أكدت الدراسات القبلية التي أجراها مصمم الحديقة أنها حديقة كانت موجودة منذ سلالة السعديين من القرن السادس عشر مخبأة تحت البقايا. كما مكنت من إثبات وجود انقسام بين الحديقتين وأنه كان هناك مبنى في الموقع. لذلك تم إعادة تقسيمها وتم وضع جناح فيها.
من الصعب تصديق أن هذه الساحات التي تم صيانتها بطريقة صحيحة كانت في عام 2000 لا يمكن التعرف عليها كحدائق: كانت المساحة بأكملها مغطاة بالركام والقمامة ومجموعة متنوعة من المساكن الصغيرة، مما يعكس حقيقة أن الأرض كانت مملوكة لأكثر من 130 شخصًا.
جمال معماري يأسر الأبصار
تتميز الحديقة السرية بتصميمها الفريد والمعماري المبهر الذي يستمد تفرده من جمالية المعمار العربي الأندلسي، حيث تضم مجموعة من الأروقة والساحات والنافورات الجميلة. تعكس العمارة التقليدية المغربية في تفاصيلها الفنية والزخارف المعقدة، وتأخذ الزائرين في رحلة عبر الزمن.
تمتد الحديقة على مساحة 4,000 متر مربع وتتضمن برجًا بارتفاع 17 مترًا وحديقتين. يتكون الموقع من قسمين، وكل جزء منهما يظهر كحديقة سرية محاطة بجدران مرتفعة وخالية من النوافذ. وفي وسطها، تتداخل ممراتها الأربعة وتلتقي في نافورة رخامية تلقي بالسحر والجمال. هذا المبنى الواسع، الذي يتميز بالسكينة والهدوء، يوفر ملاذًا مثاليًا للباحثين عن الراحة النفسية. إنه فضاء يدعو إلى الاسترخاء ويتيح للزوار استكشاف أنواع النباتات الفريدة والمدهشة التي تحيط بهم من كل جانب.
في القرن الحادي عشر، قام المرابطون ببناء أول خطرة، وهي ممر تصريف تحت الأرض يقوم بتوصيل الماء إلى المساجد والحمامات والنوافير وأيضًا بعض المنازل الكبيرة، واستفادت من هذا النظام الحديقة السرية بمراكش.
النباتات الفريدة: لمسة من الجمال والألوان الخلابة
تعد النباتات والأشجار في الحديقة السرية أحد أبرز معالمها، حيث توفر جمالاً وألواناً لا تضاهى. تتنوع الأنواع النباتية من الزهور الفريدة والأشجار الباسقة، مما يخلق مناظر طبيعية ساحرة تستحضر الهدوء والسكينة.
تلك الحديقة السرية، بل العبقرية البستانية، تجمع بين روعة التصميم الهندسي وسحر الطبيعة الفريدة. كثيرٌ مما يستمد المتعة في هذه الحديقة ينبع من التناقضات المصممة بعناية - على سبيل المثال، التناقض بين الكالانكوي الساقطة واليوكا الجذابة وشوكات أجاف أتنيواتا وتوجيه نبات اليوكا الشوكية. إن الأوراق المسننة واللون الرمادي لنبات الميليانثس الكبير تتناغم مع الأوراق الخضراء لأنواع مختلفة من الإيفوربيا، بما في ذلك أوراق الإيفوربيا الشجرية والإيفوربيا التيروكالي. ولكن هذه ليست أدغالًا - يتم تخصيص مساحة لكل نبات. تنمو معظم النباتات بارتفاع رأس الإنسان ولا تتعدى ذلك، بحيث يظل الهيكل الأساسي للحديقة ظاهرًا على مدار العام. نبتة جاكاراندا ميموسيفوليا الكبيرة تشكل قطعة مركزية. على مستوى أدنى، تتناوب مجموعة واسعة من الصبارات والبروميلاوات، بما في ذلك ستة أنواع من الألوة، مع النجيل مثل بنيسيتوم فيلوسوم وتجمعات الصالحية الناعمة ونبتة اللافندر البحرية ليمونيوم بيريزي. تملأ رائحة الياسمين الليلية المعطرة حديقة الليل، الياسمين الأزوريوم.
مقصد السياح والمتنزهين للاستمتاع بسحر الحديقة
لقد استقطبت الحديقة السرية على مر السنوات العديد من الزوار والسياح، الذين يتوافدون للاستمتاع بجمالها الخلاب وروحها الفريدة. تصبح الأروقة المتداخلة ملاذاً للمتنزهين، حيث يتمتعون بأجواء هادئة ورومانسية في قلب المدينة، حيث لكل زهرة قصة خاصة بها لا تحكيها إلا للزائرين المولوعين بالنباتات الفريدة، لتنتشلهم من واقع الحياة إلى عالمٍ خيالي مليء بالجمال والألوان.
بالفعل، الحديقة السرية تمثل تحفةً فنيةً تحاكي الطبيعة بكل روعتها. إنها سرٌ تُكشف للمبدعين وروعةٌ تُشاهد للرومانسيين وهدوءٌ يشعر به المتأملون. إنها ملتقى للأحلام وملاذٌ للروح.
بقلم الباحث: الطيب عيساوي
المصادر والمراجع:
الموقع الرسمي للحديقة السرية www.lejardinsecretmarrakech.com
http://www.andyhamiltonstudio.com/journal/2015/12/24/le-jardin-secret-1-design-proposal
https://www.gardensillustrated.com/gardens/international/le-jardin-secret-islamic-garden-marrakech/
