أهل تلمسان بمدينة فاس
منذ قرون وفاس تستقبل جاليات استقرت بها، رحبت بهم المدينة وفتحت لهم أذرعها، فكان منهم من وصل إلى سدة الحكم وأصبح معروفا إلى الآن. إلا أن هجرة الأمس ليست كهجرة اليوم، وفي هذا المقال سنرى جالية استقرت بفاس منذ القرن الماضي، إنهم أهل تلمسان.
حسب (شارل أكرون)، بلغ تعداد أهل تلمسان في سنة 1905 خمسة ألاف شخص بالمدينة الإدريسية، هذه الحاضرة التي استقبلت الوفود التلمسانية منذ سنة 1746 عندما ثارت تلمسان ضد يوسف باي، وفي هذه الهجرة جاءت عائلة المقري المشهورة.
استقرت الأوضاع بالمغرب الأوسط إلى أن تم استعمارهم من الفرنسيين، فخرج من سماهم التاريخ "المهاجرون في سبيل الله" لأنهم فضلوا الهجرة والغربة على القبول بالذل. وهاته الهجرة كانت بين 1832 و 1836، وقد خصص لهم السلطان عبد الرحمان بن هشام استقبالا حسنا تضامنا معهم، كما منحهم شبه استقلال ذاتي استمر حتى سنة ،1906 وكان مقر اجتماعهم ضريح أطلقوا عليه سيدي بومدين بحي الرميلة، وفيه كانوا يتداولون ويختارون تعيين نقيب لهم أمام السلطان. وكان النقيب بمثابة قائد لهاته الطائفة يصالح ويتدخل في أمور الجزائريين الذي كانوا ينقسمون إلى فرقتين أساسيتين، "أهل تلمسان" أي التي أصولهم من مدينة تلمسان، وبنو هاشم التي تعتبر الفرقة الأرستقراطية بالطائفة، فهم الشرفاء الذين كان يعمهم ما يعم أبناء عمومتهم الأدارسة يتوصلون بإعانات من السلطان، ومعفيون من الضرائب المخزنية.
احتفظ أهل تلمسان بعاداتهم وتقاليدهم حتى أنهم كانوا يتزوجون فيما بينهم فقط، وأسسوا كذلك طائفة عيساوية خاصة بهم، فلم يزل أهل تلمسان إلى بداية القرن العشرين يشكلون طائفة متميزة بلهجتهم الخاصة ولباسهم. ونرى من خلال الدراسات أن اتخاذهم دورا بالأحياء البعيدة كرأس الجنان، كرنيز والقلقليين زاد من عزلتهم، إلا في أحيان قليلة عندما دخلوا إلى الإدارة الشريفة كدار المقري.
رغم أن أهل تلمسان كانوا منقسمين إلى فرقتين فيما بينهم إلا أنهم ظاهريا كانوا متحدين معادين للحماية، منطوين تحت لواء السلطان. ومع دخول الحماية إلى المغرب وقدوم العديد من الموظفين الجزائرين إلى فاس الجديد، انصهرت الطائفة القديمة مع أهل فاس وأصبحت منهم إلى حدود الساعة.
بقلم: إلياس أقراب
المصادر:
Roger Le Tourneau : Fès avant le protectorat T :1 Livre 3 Chapitre 6
Charles Robert Ageron : L'émigration des Musulmans algériens et l'exode de Tlemcen (1830-1911)