الحرف الفاسية قبل الحماية: الطحانة والخبازة
كان جزء كبير من الصناعة داخل مدينة فاس يخصص للمدينة نفسها فيؤمن للحياة الحضرية حاجاتها الخاصة، ومنها الصناعات الغذائية، كحرفة الطحانة والخبازة وعصر الزيت.
كانت الطاحونات موزعة على المدينة كلها على طول مختلف فروع النهر، وقد ساعد الانحدار الشديد للارض في إقامتها بتلك المواضع.
كانت مدينة فاس تتوفر على 154 طاحونة في سنة 1928، وكان عدد الطحانين (روحية) 700 تقريبا، عمالا ومتعلمين. ينقسمون الى صنفين؛ الطراحية او الطراحينية الذين كانوا يشترون القمح بأنفسهم ويبيعون الدقيق والنخالة، وكانوا يملكون 98 طاحونة مع 150 زوجا من الأرحاء. والطحانين والطحاينية، ولهم 56 طاحونة، و75 زوجا من الأرحاء، وكانوا يعملون بلا مواد، ويتقاضون كأجرة النخالة مع مثقال لكل مد. وكان الطحن والغربلة ينجزان بالطاحونة بوسائل بدائية شيئا ما، أما جودة الدقيق فكانت ضعيفة وكذا المردودية.
ذكر الخبازة بفاس هو استعمال لفظ في غير موضعه، ذلك أن جميع الفاسيين كانوا يعجنون خبزهم في منزلهم ويخبزونه فقط في الخارج إلا أنه كان هناك خبز يباع في المدينة، إذ لابد من مراعاة الرجال غير المتزوجين والذين ليس لهم وقت لإعداد الخيز. وكان الخبز يباع لمثل هؤلاء بفاس في الأحياء الدائرية قرب الأبواب، حيث يجد الغرباء مساكن ياوون إليها.
يصنع هذا الخبز الذي يباع نساء فقيرات، وهو سبب يمكنهم من ربح بعض الفلوس، يعجنَّه في منازلهن ويحملنه إلى الفرن وكأنه خبزهن الموجه لأسرهن، ثم يجلسن في أحد الأزقة المطرقة بجوار باب أو سوق، يجلسن بوضعية القرفصاء على الأرض والخبز مرتب أمامهن على لوحة صغيرة أومنديل، في انتظار المشتري.
كان معظم الخبز الذي يعرض للبيع من صنع الفَرَّانين الذين يشترون الدقيق ويعجنه عمال مختصين (خبازة)، وكان عدد هؤلاء الفرانين 20 فرّاناً سنة 1923. كانوا يكترون دكانا أو يتفقون مع صاحب دكان ليزودوه بعدد معين من أقراص الخبز يوميا. كان ذلك الخبز يسمى خبز السوق، ولا يخبز إلا خمسة أيام في الأسبوع. بالإضافة إلى أن رئيس طائفة الحرفة يملك حق طهي خبز الطلبة والمساجين، أما القصر فكان له فرنه الخاص وخبازوه الخاصون.
صعد عدد الأفران من فرن واحد إلى أربعة أفران لكل حي، حسب كثافة السكان. وكان مجموع الأفران بفاس 44 فرنا سنة 1905، ضم 260 فردا، ويتالف مستخدمو الفرن من الرئيس الذي يراقب العمل، وثلاثة عمال يتولون ترتيب الخبز وطهيه، وغالبا ما تكون أصولهم من البادية، وخاصة من قبيلة تسول شمال مدينة تازة. وفي عام 1923 وصل العدد الإجمالي للأفران بمدينة فاس إلى 61 فرنا.
بقلم: توفيق العلوي
روجي لوطرنو، فاس قبل الحماية، الجزء الأول، ص 471.