ثريا الشاوي: أول ربانة طائرة في المغرب وإفريقيا والوطن العربي

ثريا الشاوي: أول ربانة طائرة في المغرب وإفريقيا والوطن العربي
ثريا الشاوي: أول ربانة طائرة في المغرب وإفريقيا والوطن العربي
ثريا الشاوي: أول ربانة طائرة في المغرب وإفريقيا والوطن العربي
ثريا الشاوي: أول ربانة طائرة في المغرب وإفريقيا والوطن العربي
ثريا الشاوي: أول ربانة طائرة في المغرب وإفريقيا والوطن العربي
ثريا الشاوي: أول ربانة طائرة في المغرب وإفريقيا والوطن العربي

ذكر الكتاني في زهرة الآس أن بيت الشاوي من البيوت الفاسية العريقة. وقال القادري في نشر المثاني أنهم فرقتان، واحدة توصف بالخزرجية وقد انقرضت، وفرقة أصولها من قبيلة الشاوية. دار الشاوي من الدور الفاسية المشهورة، ففيها العلماء والصالحون على رأسهم ''سيدي أحمد الشاوي''، كما أن من نفس هذه العائلة شابة فاسية مغربية مشهورة عالميا هي المرحومة ثريا الشاوي: أول فتاة مغربية وعربية تقود الطائرة. 

ثريا الشاوي ضحية لاغتيالين؛ اغتيال سياسي أودى بحياتها وهي لم تتمم العشرين ربيعا، واغتيال إعلامي أقصاها ودفن ذكراها بالرغم من أنها أول امرأة طيارة في المغرب. رغم حداثة سنها، إلا أنها شاركت في عمليات ضد المستعمر وكانت من أوائل المدافعات عن حقوق المرأة بالمغرب.

ولدت ثريا  في السابع من رمضان سنة 1353 الموافق ل14 دجنبر 1934 بحومة القلقيين بفاس، والدها هو عبد الواحد الشاوي رائد النهضة الفنية في المغرب، و من مؤسسي الحركة المسرحية المغربية.  كان والدها من رواد المغرب المثقفين لذلك فهو لم يحرم ابنته من التعليم وسجلها بمدرسة ابتدائية سرعان ما اشتهرت فيها ثريا وقامت  بتنظيم إضراب بمعية زملائها لتحرير بعض من تلاميذ المدرسة الذين شاركوا بمظاهرات لتحرير البلاد من قبضة المستعمر.                                                                                                                                                            

عند قدوم القوات الفرنسية لوضع حد لهذه المضربة وجدوا أنها لا تتجاوز السبع سنوات بعد، ولأنها طفلة فقد هددوا والدها بوضع حد لابنته وإلا كان هو المسؤول أمامهم.

بعد هذه الحادثة، قرر الأب أن يصحب ابنته معه في سفرياته المهنية، وفي هذه السفريات تعرفت ثريا على عالم المسرح والتمثيل الذي شاركت فيه وهي ابنة الثلاثة عشر ربيعا في الفيلم الفرنسي المُصور بفاس ''La Septième porte''، وبهذا كانت ثريا الشاوي من أوائل رائدات الحركة النسائية بالمغرب اللواتي دخلن بابا كان حكرا على الرجال فقط. وليس هذا هو الباب الوحيد الذي طرقت ثريا، بل وجهت نفسها إلى مجال آخر سلبها وشغل بالها: مجال الطيران.                             

استهواها هذا المجال وأرادت أن تسبر أغواره إلا أنها اصطدمت بعقبة استحالة دخول فتاة للمدرسة الوحيدة للطيران، والتي كان كل طلابها من الذكور الفرنسيين. و فوق كل هذا، مسيرة من طرف الجيش الجوي الفرنسي.                                                           

لم تكن لتقبل المدرسة الطيران بهذا واستقبلت أفراد دار الشاوي بالسخرية في البداية، إلا أنها، وبسبب معارف عبد الواحد الشاوي الذي ساند ابنته، فإن المدرسة وافقت أخيرا وقبلت ثريا ذات الأربعة عشر سنة كطالبة بمدرسة الطيران.                               

لم يكن الطريق معبدا ولا ورديا أمام ثريا، بل عانت فيه وناضلت إلى أن اجتازت امتحان الكفاءة يوم 17 أكتوبر 1951،  وقد كان يوما عاصفا لا يسمح فيه بركوب الطائرة، إلا أنها مع ذلك حلقت على علو ثلاثة آلاف متر، وقطعت مسافة دائرية على طول 40 كيلومترا ثم نزلت أخيرا تحت تصفيق الحاضرين من الصحافة، وانبهار غير ذي نظير من قبل لجنة الامتحان. فتوجت بذلك حلمها، ونالت شهادة الكفاءة لقيادة الطائرات، بامتياز لتكون أول طيارة مغاربية وهي في سن السادسة عشر.

لم يكن ليمر هذا الحدث  مرور الكرام فقد تصدر عناوين الصحف الوطنية والدولية، فالنساء القائدات للطائرات آنذاك كان يتم عدهن على رؤوس الأصابع في العالم، وثريا كانت أول امرأة عربية وإفريقية تحصل على شهادة الطيران في هذه السن المبكرة. و تقديرا لهذا الإنجاز، أقام النادي الجوي للأجنحة الشريفة، حفلا على شرفها. وانهالت عليها التهاني والتبريكات من كل حد وصوب، من محمد بن عبد الكريم الخطابي، وعلال الفاسي، والاتحاد النسوي الجزائري، والتونسي، والربانة الفرنسية جاكلين أوريول، من ملك تونس، وملك ليبيا، وغيرهم، بل ومن ملك المغرب محمد الخامس، الذي استقبلها في قصره بحفاوة كبيرة رفقة أميراته ليهنئها.

يورد المريني في كتابه عن الربانة ثريا الشاوي حدثا هو الآخر مبعث فخر وشرف لها:

''أما المفاجأة التي كانت تنتظرها في الاندلس، فهي أنها ساعة كانت في مطار غرناطة  تنتظر مع المنتظرين الطائرة التي ستقلها إلى تطوان، لاحظ كومندار المطار على صدرها شارة الطيران المغربي، ذي النجم الخماسي الجميل يزين بدلة لا يلبسها عادة إلا الطيارون. فاقترب منها وسألها عن الشعار. وكان كمندار مطار غرناطة يظن أن تلك البدلة، وتلك الشارة، مما يلبسها الاطفال تشبها بالطيارين، وأن ثريا وهي فتاة في السادسة عشر من عمرها، ارتدتها تشبها أيضا. ولكن مفاجأته كانت كبيرة عندما علم أنها طيارة، وكانت مفاجأته أكبر عندما قالت له: إنها عربية مسلمة مغربية. سر بها الكومندار أيما سرور ودعا هيئة الطائرة التي ستقلها مع واحد وثلاثين من الركاب، وعرفهم بها. فكانت غبطتهم كبيرة ورحبوا بها قائلين أهلا بأختنا في الجو، وبعد محادثة فنية طويلة حول دراستها، وما قامت به من تدريب، التفت الكومندار إلى رئيس هيأة الطائرة وطلب منه أن يسلم ثريا زمام الطائرة أثناء الرحلة من غرناطة إلى تطوان ودعت الآنسة المرحومة أبويها، ودخلت مقصورة القيادة وسألها الرئيس عن مختلف الآلات، واختصاصها وكان المكلف بميكانيك الطائرة يتقن الفرنسية، يتلقى من عامل الراديو الإشارات بالإسبانية ويترجمها لها بالفرنسية. ومرت الرحلة على أحسن ما يكون، ونزلت الآنسة بالطائرة نزولا ناجحا، وخرج الكومندار رئيس هيئة الطائرة، وقال لواحد وثلاثين من الركاب، من بينهم والد ثريا وأمها: «إن هذه الفتاة المغربية هي التي قادت بكم الطائرة، من غرناطة  إلى تطوان، في زمن لا يقل عن خمسين دقيقة». فلما خرج الركاب إلى ساحة المطار، التفوا حولها مهنئين معجبين، وطلب عمال الديوانة وبوليسها صورا مع الآنسة المغربية. وقدم كومندار الطائرة شهادة للآنسة بالرحلة التي قامت بها، تعرف عن نجاحها في قيادة طائرة ذات محركين''.

وبعد أن حققت حلمها، سعت ثريا لتحقيق حلم المغاربة آنذاك وهو الاستقلال، الأمر الذي سعت إليه عن طريق العمل الجمعوي لتنمية وضعية المرأة  و كذا انضمامها لحزب الاستقلال. شاركت ثريا الشاوي في عدة نشاطات وطنية خاصة في الفترة التي تم فيها نفس السلطان محمد بن يوسف. وعندما عاد من المنفى، كانت طائرتها ترمي بالمناشير مرحبة بعودة السلطان فوق سماء الرباط وسلا.

تعرضت ثريا لمحاولات اغتيال عديدة، آخرها كانت عشية يوم الخميس فاتح مارس لسنة 1956 قبل يوم واحد من إعلان استقلال المغرب عن الحماية الفرنسية، وكان عمرها 19 سنة. تم اغتيالها برصاصة في رأسها خارج منزل عائلتها، فأسلمت الروح وقد حضر جنازة الشهيدة ستون ألف مشيع من المحبين والمقدرين لإنجازاتها .

غادرت ثريا العالم وهي في عمر الزهور ونجد اليوم بعضا من الشباب من يجهل بوجود مثل هذا الهرم المغربي لغياب اسمها بالمتاحف، ولندرة الوثائقيات المعروضة حولها. باختصار، مازال التاريخ الحديث يمر مرور الكرام على ذكراها.

الباحث: إلياس أقراب

المصادر:

Osire Glacier: Femmes politiques au Maroc d’hier à aujourd’hui. Pp : 150-154

https://www.maghress.com/alittihad/93270