طقوس إحياء عيد الفطر في مدينة فاس

طقوس إحياء عيد الفطر في مدينة فاس

لو أمكن للمؤرخين القدامى أن يصوروا لنا المغرب من الأعلى كما نرى اليوم لكان لنا أرشيف عظيم من الصور التاريخية والجميلة التي كانت لتخبرنا ما لم تستطع الأقلام خطه، فبعض المشاهد أجل وأسمى من أن توصف بقلم ولو كان بارعا.

من بين هاته الصور التي لو أمكننا مشاهدتها هي صورة مهيبة لأناس ببرانس بيضاء وطرابيش حمراء، منتعلين بلاغي صفراء، أعناقهم ممتدة وهم مصطفون بين جانبين يشاهدون الطلعة البهية للسلطان وهو يمتطي صهوة فرسه، محاطا بأصحاب الأروى يسبقهم الحاملون لأعلام مولاي إدريس. وأمامهم الخليفتان الأول والثاني لقائد المشور مع المشاوريين، بطرادتهم المعروفة بطرادة سيدي بلعباس. ثم خيول الكادة المقادة أمام السلطان الذي يرافقه صاحب المظلة، وغيرهم الكثير من خدام القصر العامر الذين يشاركون في هذا الاحتفال الكبير، من أمام المشور حيث يخرج السلطان إلى أحد المصليين أين سيصلي ويلقي الخطبة. دون شك أن العارف بالتاريخ قليلا سيعرف أن الصورة هي لعيد الفطر بالحاضرة الإدريسية.

فاتح شوال هو يوم عيد عند الأمة الإسلامية التي تودع شهر الصيام فيه، متمنية من العلي القدير أن يتقبل منها صيامها وقيامها ونسكها. عيد الفطر الذي يفطر فيه الصائمون، يعرف عند المغاربة بالعيد الصغير، تمييزا له عن عيد الأضحى المسمى بالعيد الكبير.

بعد احتفالات ليلة القدر المقدسة، لا تجد نساء الحضرة الفاسية وقتا للاستراحة أو التسلية، فلا يفصل بينهن وبين العيد سوى ثلاثة أيام يقضينها في صنع ما لذ وطاب من حلويات شهيرة. فإن كن قد قضين منتصف شهر شعبان في قلي "كريوش" المعروفة بالشباكية خارج الأسوار، أو تحضير حلوى الفيلالية الشهية، فهن خلال الأيام القليلة المتبقية يتفنن في رشم الكعاب أو كعب غزال مع مرافقيه الدائمين، البهلة المعروفة بغريبة والفقاص، كما أنهن يتفنن في صنع أشكال جديدة بعجينة اللوز المعطرة بماء الزهر والمسكة الحرة.

خارج المنزل ليس أقل حركة من داخله، فأزقة المدينة تمتلئ، ويتزاحم المارة على القيسارية لشراء ملابس جديدة، أو يعرجون على الخياطين ليذكروهم بموعد تسليم "الجلابة د الخفيف" أو "الجبادور المخزانية" وغيرهما من ملابس تقليدية رجالية لا تقل جمالية عن جوهرة بالراندة أو قفطان الصقلي النسائيين. وتزدحم الطالعتين، لكنهما لا تضيقان بزوراهما، فعيد الفطر مناسبة لكسب دراهم إضافية عند الباعة لذلك تراهم يزينون واجهات محلاتهم لإغراء المشتري وحمله على شراء المزيد.

إن كان الإخوة بالقاهرة يغنون مع أم كلثوم: يا ليلة العيد أنستينا وشرفتينا، فأهل فاس ينشدون مع أصحاب الملحون والألة: عيد مبارك علينا وعليكم. بهذه الجملة يباركون للغادي والرائح بالدروب، حيث الكل يعرف الكل، ويسبقه بمباركة العيد قبل أن يدخل داره المقلوبة رأسا على عقب بين فوج يهيئ الحلوى وأخر ينظف الغرف ويعيد "تجبيد" اللحوف، حتى لا يجد القادمون شيئا ليعيبوا عليه. أما من بالمطبخ فيتكلفن بتحضير العشاء والسحور باعتبار أن تناول السحور ليلة العيد من الأشياء المباركة.

صباح العيد، يتوجه المصلون إلى المُصَلَّيَيْن بباب الفتوح وباب الساكمة ببرانسهم البيضاء وجلابيبهم الأنيقة المتحدثة عن مهارة الصانع الفاسي. وأيام كانت حضرة فاس هي عاصمة المملكة، فقد كان السلطان يصلي بها ويخرج من قصره بفاس الجديد في موكب ضخم، يحييه أصحاب الألة ثم يليهم القضاة والعلماء المهللين المكبرين. وحتى حين انتقلت العاصمة لمراكش، ومكناس أو الرباط، فإن أهل فاس كانوا أول وفد يقدم للسلطان من طرف قائد المشور، وتقديم أهل فاس أول الوفود راجع إلى أنها أول مدينة إسلامية بالمغرب.

بعد صلاة العيد وعودة السلطان إلى القصر، يعود أهل فاس إلى منازلهم بعد أن يؤدي بعض المتأخرين الفطرة، حتى لا يضطر المعوزون إلى الخروج في هذا اليوم المبارك. تصف الموائد وتدور كؤوس الشاي مرفقة بالرقايق،  القراشل، الرغايف والملاوي، مع ما حضر من الحلويات. وتستقبل العائلات أقاربها كما جرت العادة بأن يزور الفروع الأصول، وبما أن أغلب العائلات لا تحضر وجبة الكسكس خلال شهر رمضان فيكون هو وجبة الغذاء التي تجتمع عليها العائلة الكبيرة.

كانت الاحتفالات تدوم سبعة أيام، تكون المدينة خلال الأيام الثلاثة الأولى فارغة إلا من المارة المدعوين لغذاء أو عشاء، ويستأنف الناس أشغالهم خلال اليوم الرابع أو الخامس، ليعطل في اليوم السابع الذي يعتبر "سبوع العيد" الذي يكون مناسبة للاجتماع من جديد بالبيت أو بأحد المنازه العائلية، وأحيانا تتوجه النساء فيه إلى مولاي إدريس أو تزرن المقابر.

إن الاحتفالات بعيد الفطر في المغرب عامة كانت تكتسي جوا احتفاليا لما للأعياد الدينية من مكانة في قلوب المغاربة، إلا أنها بدأت تقل وتتقلص بحكم ظروف الحياة وانشغال الناس، لكن هذا لا يمنع من محافظة وتشبت عائلات كثيرة بعادة الاجتماع يوم العيد، وإلباس الأبناء لباسا تقليديا يذكرهم بحضارة أجدادهم المجيدة.

بقلم: إلياس أقراب

المصادر:

Roger Le Tourneau: Fès avant le protectorat T:1 Livre 8 Chapitre 2

مولاي عبد الرحيم بن زيدان: العز و الصولة في نظم و معالم الدولة الجزء 1 صفحة 151.