أحداث إضراب 14 دجنبر 1990 بفاس

أحداث إضراب 14 دجنبر 1990 بفاس

تركت أحداث 14 دجنبر من سنة 1990 جرحا غائرا في نفوس العديد من العائلات الفاسية، إذ خلفت أعدادا كبيرة من الضحايا الذين سقطوا برصاص قوات الأمن والجيش والدرك،  بما رافقها من مشاهد الجثت المرمية في الشوارع، والغبن الذي ظل ملازما لعائلات الضحايا والمفقودين.

تعود أسباب اندلاع الأحداث المأساوية إلى إضراب عام خاضته النقابات بفاس ومدن مغربية أخرى قبل 27 سنة من الآن، وهما الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين، من أجل "الزيادة في الأجور والتعويضات" و"إصلاح قانون الشغل" و"عودة المطرودين" و"حرية العمل النقابي"، واستجابت للإضراب العديد من ساكنة وطلبة المدينة، بسبب رفضهم لغلاء المعيشة وتدهور الأوضاع الاجتماعية.

بدأت الأحداث صبيحة 14 دجنبر بتجمهر حوالي 500 طالب بساحة فلورنسا وشارع الحسن الثاني وسط المدينة. وسرعان ما انفلتت الأمور بعد صلاة الظهر، لتتحول إلى انتفاضة حضرية همت جميع الأحياء، خاصة تلك التي على أطراف المدينة (ابن دباب، وعين قادوس، وباب الخوخة، وعوينات الحجاج). فهاجم المتظاهرون المؤسسات العمومية والمرافق الاقتصادية، ما اضطر السلطة للاستعانة بالجيش لاحتواء الوضع.

المواجهة مع قوات الأمن حولت المظاهرات إلى أعمال شغب، لم تسلم منها الشاحنات والمحلات والفنادق والأبناك والمنشآت العومية، تعبيرا عن التذمر و السخط الشعبيين. وشهدت تدخلا أمنيا عنيفا وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واستعملت في التدخل الأمني الذخيرة الحية، وخلفت العديد من المعتقلين وعشرات القتلى والجرحى.

تجددت الاشتباكات صبيحة يوم الغد، بعد إيجاد الساكنة لجثة أحد المواطنين بمنطقة الجنانات، وعمت الفوضى مجددا، واستهدفت الدكاكين ومقرات الأبناك والمعامل. تدخلت حينها قوى الجيش بواسطة المروحيات وأطلقت الرصاص على المتظاهرين، ليسقط منهم العديد من الضحايا. أعداد الضحايا ظلت مجهولة، إذ تتحدث الأوساط الفاسية عن مئات القتلى، بينما خلص تقرير لجنة برلمانية للتقصي في الأحداث إلى أن قوات الأمن لم تستعمل السلاح الناري، لكن شهادات المواطنين تكذب نتائج التقرير وتقول أن الضحايا سقطوا نتيجة تلقيهم لطلقات نارية. كما حدد التقرير عدد القتلى في 42 قتيلا بينهم قتيل واحد من القوات العمومية، مقابل 236 جريحا منهم 153 من القوات العمومية و83 من المدنيين.
عزت السلطات السياسية والأمنية الفوضى إلى جماعة من المجرمين ومن السراق وجهات أجنبية، فيما ردت أحزاب المعارضة والنقابات أسباب الاحتجاجات إلى الفقر والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وعرفت المظاهرات مشاركة كبيرة للطلبة، وتجلى ذلك في نوعية الشعارات الطلابية التي رفعت خلالها، وهمت مطالبهم الحق في الشغل والتعليم والصحة والسكن.
بعد مرور أكثر من عقد ونصف على هذه الانتفاضة، أوردت هيئة الإنصاف والمصالحة في تقاريرها، أن عدد القتلى الذين تم اكتشافهم وصل إلى 106، حين تم العثور شهر مارس 2008 على مقابر جماعية بحديقة جنان السبيل، خلال أشغال الترميم التي كانت تجرى بداخلها، وكان الرأي الغالب يرجح أن الجثامين لضحايا انتفاضة 14 دجنبر 1990، رغم أن الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بفاس نفى ذلك عبر بلاغ رسمي. ونصبت الهيئة المذكورة شواهد قبور بمقبرة باب الكيسة، عقب الاحتفال بالذكرى الخامسة عشر لتلك الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة.

المصادر: من هنا   وهنا   وهنا   وهنا

عدة كتاب، تاريخ مدينة فاس من التأسيس إلى أواخر القرن العشرين: الثوابت والمتغيرات، الطبعة الثانية، 2012، ص 286 - 287.